الأربعاء، 20 سبتمبر 2017

فتنازيا




فنتازيا


دخل محل بيع تراثيات قديمة لا لشيء سوى إشباع غريزة الفضول وحب الاستطلاع  ، لعله يستوحي من المعروضات فكرةً تعينه في هوايته في الرسم وصنع النماذج ، تمعن السيوف والخناجر القديمة أعجبه لمعان نصولها وبريق  الأحجار الكريمة التي تزين بعض مقابضها وأغمادها ، وتيقن إن مثل هذه السيوف لم تكن تستعمل لغير الاستعراض وتكملة أناقة الفرسان !!! ... إذ لم يلحظ أي ثلمة ولو صغيرة في نصول أيٍ منها ، توجه الى جناحٍ آخر يحوي جرار نحاسية وبعض قناديل الزيت والشمعدانات البراقة ، توقف طويلاً أمام مصباح زيتي وتذكر قصة علاء الدين ومصباحه السحري ، مدَّ يده متحدياً التحذير الذي يمنع اللمس ... فركَ المصباح وهو يبتسم فيما كانت صورة الجني العملاق لا تفارق ذهنه ، تمتم في سره أيعقل أن يتسعَ مصباح لا يزيد في حجمه على قبضة يدٍ واحدة إلا بقليل حجم ذلك الجني ذي الأكتاف العريضة والعضلات المفتولة ..؟؟ .
اتسعت ابتسامته حتى بانت أسنانه البراقة ... هم بالانصراف ، وقبل أن يكمل دورته على عقبيه وجد نفسه مطوحاً في الهواء ويسقط في فوهةٍ صغيرةٍ حتى كادت أقدامه أن تلامس صدره لفرط ما تعرض له من ضغط عمودي ...!!!!.
لم يفهم ما جرى له بادئ الأمر أدرك بعدَ هنيهةٍ انه وسط باحةٍ في زقاق يتسع لعددٍ من البيوت دون أي علامةٍ من علامات الحياة كأن الزمن توقف لحضتها وما عادت الحياة تمثل له في تلك اللحظة غير مقبرة يلفها صمت وسكون مطبق ، صمت قاتل يلف كل شيء حتى بيوت العنكبوت التي كانت تملئ المكان لم يكن فيها عنكبوت واحد وخيوطها مستقرة دون حراك كأنها رسم في جدار ، نهض على قدميه متثاقلاً والألم يعتصر صدره من فرط السقطة ، أدار ناظريه ذات اليمين وذات الشمال لعله يلحظ علامة واحدة يستدل بها على ما جرى له ، أدرك باليقين انه داخل المصباح الزيتي ... ولم تكن تلك القوة التي طوحت به في الهواء غير ذراع الجني وعضلاته المفتولة ، اكتنفه خوف مرعب ... اقشعر بدنه وسرت في أوصاله رعشةٌ يشوبها بردٌ غريب ، جلس القرفصاء في إحدى الزوايا لعله يلحظ الجني أو حتى علاء الدين ويعتذر لهما عما اعتراه من أفكار ومن شكوك في قصة المصباح ، ولكن انتظاره كان دون جدوى فالزمن هنا متوقف والضوء خافت على الدوام فلا أثرٌ لضوء الشمس ولا لظلال البيوت ، ترى ما مصدر الضوء داخل المصباح ؟؟ ... لا شك انه نور ذاتي دون مصدر !!! ... لم لا ؟؟!!! ، ألم يكن هو مصباح يستضاء به ؟؟؟ ، وقف مرةً أخرى بعد أن زال عنه الخوف وأخذ يتجول بين أركان البيوت ، دخل باحات  البعض منها مستمتعاً بصرير أبوابها الذي يختلف واحداً عن الآخر ، بيوتاً عتيقة الطراز بأقواس وشناشيل وزجاج ملون ، غير إن ما بها من أثاث يتناسب والعصر الحاضر فالبرادات ومكيفات الهواء لا يكاد أن يخلو منها بيت رغم عدم توفر الكهرباء فكيف تعمل هذه الأجهزة بدون كهرباء ؟؟ ... لا أحد يعرف ...!!
 لا أثر لشيء يؤكل ولا لماء يشرب ، أحس بالجوع والعطش معاً ، فتح بابَ برادٍ في أحد البيوت وكان الغبار يشكل طبقةً سميكةً تغطيه حتى أخفت علامته التجارية ، أثار دهشته ما وجد من خضارٍ  نضرة ومن فاكهةٍ طازجة وكأنها قطفت تواً ، هم بقضم تفاحةً من فرط ما يشعر به من جوع ولكن الخوف من أن تكون تلك الفاكهة غير صالحة للأكل منعه من ذلك ... شيء آخر منعه من تناولها ... هو شكل التفاحة فقد كانت كمثرية الشكل ويملأ قشرتها المسام تختلف عن شكل التفاح الذي يعرفه وتعوَّد عليه ، أما البرتقال فقد استطال شكله حتى بات قريب الشبه بحبات الموز ... الموز الذي يتذكره على الدوام ويتذكر الكيفية التي تناول فيها تلك الفاكهة في صغره أول مرة فقد قضمها مع القشرة مما أثار ضحك والديه وتندرهما بتلك الواقعة على الدوام  ...!!.
 لا أحد يعلم كم مرَّ من الوقت وهو داخل المصباح غير انه أدرك بحسه ومن بعض الأصوات التي تناهت إليه مثل صوت مزلاج المتجر عند إقفاله لعل الوقت قد تجاوز أربع ساعات على أقل تقدير . ترى ما الوضع في الخارج ؟ ... لعل القلق بدأ يتسرب
الى فكر والديه..!!  إذ تعود أن لا يطيل المكوث خارج البيت أكثر من ساعتين .. كيف سيتمكن والداه من تناول طعامهم دونه ، وكيف السبيل الى الخروج من هذا المكان الموحش!!! ... تبدو الآمال ضعيفةً في الخلاص من هذا المأزق ، خطرت في باله فكرة التواصل مع العالم الخارجي بواسطة إشارات المورس التي تعلمها  قبل سنوات في فصيل كشافة المدرسة ولكن ما الفائدة الآن ؟؟؟ ... سوف لن يسمعه أحد قبل أن يفتح المتجر بعد ثمان أو عشر ساعات على أقل تقدير .. شعر بإحباط شديد والقلق ينتابه من المصير المجهول ... سيبلغ ذويه عن فقدانه السلطات ولكن لن يتم البحث عنه قبل مرور يومين على أقل تقدير ، وان كان ذلك فمن يا ترى ستخطر في باله فكرة وجوده داخل المصباح ؟؟ ، ومن يصدق تلك الرواية إن خرج وحكى لهم عنها ؟؟!!! .
تسلق سطح أحد البيوت لعله يقترب من فتحة المصباح ويجد مخرجاً ، رفع رأسه الى الأعلى ، لم تكن هناك غير نجوم تشبه في بريقها لآلئ منثورة على قطيفة حالكة السوداء ، سماء صافية كصفاء سماوات صحراوية تمتد الى ما لانهاية ... يا لها من لوحة فنية رائعة... سبحان من رسمها وأبدع في رسمها ... سبحان من رسمها وأبدع في رسمها .. سبحان من رسمها وأبدع في رسمها ..كرر تلك الجملة في نفسه أكثر من مرة دون وعي ، وتذكر انه يجب أن يقدم في اليوم التالي نموذجه لأعمال الرسم والفن الى مدرس التربية الفنية إذ كان يؤدي الامتحانات النهائية ولم يتبق من تلك الامتحانات غير مادة التربية الفنية ، جلب انتباهه صوت أمه وهي تناديه بإلحاح...!!!  ترى  ماذا تفعل أمه هنا هل هي محجوزة أيضاً داخل المصباح ، ألح الصوت عليه بالنهوض قبل فوات الوقت... أصاخ السمع ..حاول التركيز .. أزاح الغطاء عن رأسه وإذا بأمه تمسك بين يديها نموذجاً ورقياً لمصباح زيتي وتقول له هيا انهض وتناول فطورك ولا تنسى المصباح الذي أمضيت الليل بطوله تلصق وتلون أطرافه  ..!!!.

                                               تمت
                                                                                 بغداد/حزيران 2006






قَتْلٌ على الهَويةِ 

يوسف الطائي 

الى دعاة الحرب الطائفية ان كانت دعوتهم بقصد أم بغير قصد اقول لهم ...لا تنسوا تلك الأيام السود التي كان بها رب الأسرة ان خرج ليجلب لعائلته ارغفة خبز من المخبز القريب لم يكن متأكد أيعود لعائلته أم لن يعود واذكرهم بقول أشرف خلق الله ...
ان الفتنة نائمة لعن الله من أيقضها ...
صدق رسول الله .

دخل المقهى على عجلٍ بشفاهٍ ترتجف وعيون حائرة .. اتخذ ركناً قصياً دون أن يلقي التحيةَ على أحد ، كان يحدق في البعد الرابع دون أن يدرك حدوداً لذاك البعد ، يحدث نقسه متسائلاً و بصوت مسموع ... كيف كان المجتمع وما آلت إليه حاله...؟ كيف أصبحت الدنيا بعد ما كانت...؟ ، أمسى الأخ يقتل أخاه والجار يغدر جاره ... تلك خصال سيئة لم تكن في مجتمعنا قبل بضع سنين ، ترى ما السبب في انتشارها الآن .؟ وما هي الأصابع الخفية التي تحركها وما الهدف منها..؟



أصبح حالنا كحال بني إسرائيل وقتلهم لأنفسهم بعد تيههم في الصحراء أربعين سنة تكفيراً عن خطاياهم بعد أن اضَّلَهم السامري بعجله الذهبي ..!* 
اتخذ مقعداً منفرداً كي لا يشاركه فيه أحد ... تقدمت منه وأنا أوجس خيفة من ردات فعله الغير متوقعة ، إذ كان يثور و تجحض عيناه الغائرة بعد انتفاخ أوداجه حينما يُسْئَلُ عن أمور بعيدة عن معاناته الأبدية ... تلك المعاناة التي جعلت منه ناقداً بألذع الكلمات وأقذعها ، وهذا ما جعل الكثيرين يتحاشون الصدام به...، سألته بعد أن رميت عليه تحية يحبها . 
- ترى ما الذي يشغل بال الحكيم ..؟ 
أشار علي بالجلوس دون أن ينبس ببنت شفه. 
جلست قبالته منتظراً أن يبدأ الحديث ، كان منشغلاً بالنظر إلى ورقة بين يديه ، قرأها أكثر من مرة... طواها ...أفردها ثانية ..أعاد قراءتها تمتم بصوت مسموع ( انا لله وانا إليه راجعون )..تابع بعد برهةٍ من الصمت...(( تصور يا أخي ذهبت اليوم صباحاً إلى محافظة قريبة لقضاء بعض الأعمال وفي طريق العودة في شاحنة صغيرة جلس بجانبي شاب أنيق الملبس بذوق ظاهر، بادرني التحية والباص لم يتحرك بعد ، طلب مني أن نتبادل عناوين أقرب شخص يعرفه كل منا وذلك بغية إخباره في حال حصول مكروه في الطريق لأي منا سيما وان الطريق محفوف بمخاطر نقاط تفتيش وهمية تخطف و تقتل على الهوية !!!. 
تحرك الباص ...المباني والبيوت وكل دلائل الحياة بدأت بالاختفاء تدريجياً بعد أن تجاوزنا أطراف المدينة ...لم يعد هناك ما يغري المرء بالنضر خلال النوافذ ... الركاب جميعاً دون استثناء تخبئ ثنايا ملامحهم خوف وقلق ولولا مكابرتهم لأفصحوا عن ذلك الخوف الذي أصبح ملازماً للكل مع دوام الوقت..!!. الخوف من المجهول والخوف من المفاجئات التي يخبئها لنا الطريق بعد إن وّطَّدَ تآمره مع القدر..!. 
كانت السماء مكفهرة وقد تقاسمتها غيوم سوداء متفرقة تشوبها حمرة في أطرافها وكأنها نذير شؤم اشرأب بملامحه من خلال الأفق الدامي البعيد ..كان ذلك قبيل الغروب بدقائق ...الشارع يبدو خالياً إلا من بضع مركبات ، كان بعضها يتجاوزنا ويتبادل الركاب نضرات قلقة خائفة من البعض للبعض ..!!!.ذلك هو حال الجميع ، حتى أثناء السير في الطرقات . 
مزق السكون صوت بوق لمركبة مسرعة تروم تجاوزنا ... انتبه سائق مركبتنا لذلك البوق فأتخذ الجانب الأيمن من الطريق بغية فسح المجال لتلك المركبة..وما إن جاورتنا تلك المركبة حتى دارت جميع الرؤوس ناحيتها . 
كانت مركبة حديثة يستقلها رجال ثلاثة يعملون على تغطية وجوههم بلثام يخفي ملامحهم فيما كان رابعهم يطل علينا من سقفها المفتوح وبوجهٍ سافر ملوحاً لنا بمدفعه الرشاش ويأمرنا بالتوقف جانباً معززاً أمره ذاك برشقة طلقات من مدفعه في الهواء..!!! 
كان رجل المدفع هذا يحمل ناظوراً يتدلى من رقبته ...مرت الثواني كالدهور ..أحسست بخافقي يغوص إلى أخمص قدمي فيما كانت دقاته المتسارعة تهز أذناي وتحاول أن تخرج ما خلف طبلة الأذن إلى الهواء..!! ، توقف سائقنا بعد عناء ، إذ اختلطت عليه آراء الركاب ومقترحاتهم ، فمنهم من يقول له أن يسرع ولا يتوقف ومنهم من يشير عليه بالتوقف قبل أن يفتح علينا الملثمون نيران أسلحتهم ...توقفت مركبة الملثمين بشكل يقطع علينا الطريق إذ وضعوا مقدمة مركبتهم على حافة الشارع .. ترجل منها ثلاثة شاهرين أسلحتهم الرشاشة فيما بقي الرابع يرقب الطريق بمرقابه الليلي ، همس جاري في اذني ( لا تنس ما أوصيتك به وأوصل الورقة إلى قريبيي على العنوان المذكور فيها ).... كان شاباً مفتول العضلات يتضح من تقاسيم جسمه انه قد مارس الرياضة لفترة طويلة... فتح أحد الملثمين باب المركبة أمرنا بصوت أجش أن نبرز هوياتنا بعد أن تفحص الوجوه بدقة ..ركَّزَ نظراته عليَّ ..شعرت برعشة غريبة تسري في أوصالي ...خوف شديد يمتد الى عمق ذاكرتي ...صباي ... طفولتي التي عانيت قساوتها المشربة بخوف أبدي فيما راحت نبضات القلب تعزف لحناً تزداد إيقاعاته اضطراباً مع الوقت حتى خُيل لي إن انفجاراً وشيكاً سيحدث من فرط ارتفاع دقاته .... هممت بدس يدي في جيبي ...صاح الملثم بعد أن شهر سلاحه في وجهي: 
- لا تتحرك وإلا ملأت صدرك دخاناً .!!( يقصد من كثرة الطلقات ) وتابع القول مخاطب جاري : 
- أنت الأفندي بطاقتك بسرعة ...( لم أكن اعلم إن المقصود هو جاري وليس أنا إذ تبين فيما بعد إن الملثم كان أحولاً ) . 
قدم الشاب بطاقته الشخصية تفرس بها الملثم .. أودعها جيب سترته البيضاء التي تحول لونها إلى البني بفعل ما يعلوها من دسم وبقايا شراب ، قال مخاطباً صاحبها بنبرةٍ آمرة : 
- انزل بسرعة ....تحرك الشاب يروم النزول وقبل أن تطأ قدماه الأرض عالجه الملثم بضربة من أخمص بندقيته دفعته إلى الأمام وجعلته يجثو على ركبتيه من شدة الضربة ..!! 
نهض الشاب..متثاقلاً ..متألماً ..هزَّ رأسه مستنكراً ..نضر حواليه ...كان هناك كومة من حجارة لا تبعد عن موضع سقوطه غير بضع خطوات... على حين غرةٍ قفز الشاب بحركة رياضية ... اختبأ خلفها ...أخرج من وسطه مسدساً صوبه إلى الملثم ...أطلق عليه عيارات متلاحقة ثلاث.. أخطأته اثنتان فيما أصابته الثالثة في بطنه ... سقط الملثم على الأرض مضرجاً بدمه ...!!! سيطر الخوف على الجمع من فرط المفاجئة ..!! صوب بقية الملثمين نيران بنادقهم على الشاب الذي عالجهم بدوره ببعض الطلقات من مسدسه دون أن يصيب أحد...إنها معركة غير متكافئة غير إنها تنم عن شجاعة الشاب المتناهية ..مزق السكون صوت المدفع الرشاش لرجل الناظور فيما تأرجحت راقصةً مساند مدفعه الأمامية رقصة الفرح بموت أحدهم ... أصبح الشاب جثة هامدة ...!! ..تقدم ناحيته الملثمان بحذر شديد وبعد أن تأكدا من مقتله هرعوا صوب زميلهم المصاب كشفوا عن بطنه للتأكد من مدى إصابته...حملوه على عجل إلى مركبتهم ثم عادوا إلى القتيل ...جروه من قدميه ووضعوه بجانب مركبتنا ..رفسه أحدهم في صدره قائلاً ((سنجعل منك عبرة لمن اعتبر..!!!)) أخرجوا من صندوق مركبتهم صفيحة بنزين وقاموا برشها على جثمان القتيل...!!.. اصفَرََّتْ الدنيا في عَينَيَّ...اجتاحتني موجة من غثيان غريب ورغبة عارمة في القيء من شدة الخوف...يا الهي سيشعلون فيه النار...!!! ( قلتها في سري ) ، ما عدت أرى شيء غير علبة الكبريت التي أخرجها أحدهم من جيبه... تحسست جيبي للتأكد من الورقة التي أودعني إياها الشاب ..توقف الزمن بانتظار عود كبريت أبى أن يشتعل بالرغم من تكرار المحاولة أكثر من مرة ...كان رجل المدفع يرقب الطريق بمرقابه الليلي ذات اليمين وذات الشمال مع إن الظلام لم يغلف المكان بعد.. رمى الملثم عود الكبريت أرضاً وسحقه بقدمه تذمراً لكونه أبى الاشتعال بسبب قطرات المطر والريح ...أخرج عوداً آخر وقبل أن يحاول إشعاله صاح رجل المدفع بهلع وخوف ..كبسة كبسة كبسة ..( ذلك مصطلحا تستعمله العصابات عندما يداهمهم خطر ما ) كررها بشكل متلاحق مما حدى برفيقيه أن يهرعا ناحية مركبتهم حتى إن أحدهم نسي سلاحه قرب الجثة التي حاول إحراقها قبل قليل ..وبسرعة البرق انطلقوا بمركبتهم بعد إن تناثرت الحجارة والحصى من تحت عجلاتهم ...وما هي إلا بضع ثوانٍ وإذا بمدرعة تقف غير بعيد عنا ويكلمنا من فيها عبر مكبرة الصوت ...تقدم أحدنا ناحيتها رافعاً يديه علامة الاستسلام وشرح لهم الموقف ...ترجلوا من مدرعتهم وبعد أن استوعبوا الموقف أمرونا بالمغادرة وعدم التوقف لأي كان ، حملوا الجثمان معهم ... غادرنا موقع الحادث بدورنا وصمت مطبق يسود الجميع . حقاً إنها مأساة يعاني منها مستخدمو الطرق الخارجية ...لا بل حتى الداخلية منها ...، ما الحيلة إذا كانت الضرورة تدفع الفرد على التنقل والسفر ، إن شجاعة الشاب فيما لو تكررت لأيقن أمثال هؤلاء إن هناك من يقابل سلوكهم هذا بالرفض والمقاومة بل ربما يلحق بهم الضرر مما يحد من أعمالهم تلك. 
(( ألف مرحى لشجاعة نادرة كهذه ، وهنيئاً جنة الفردوس لنفس أبت أن تذهب دون مقابل .)) 
قال صاحبي كلماته الأخيرة بحسرةٍ واضحة وهو يفرد الورقة بين يديه ويقرأها مرةً أخيرة قبل يناولني إياها مع السؤال إن كنت أعرف العنوان أو صاحب العنوان ... أخبرته ... ( ليس بالضبط ولكن أعرف أصدقاء لي في نفس الحي ...ربما نذهب سويةً للبحث عن صاحب العنوان غداً أو بعد غد ) . 


*( قال تعالى : وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) ... صدق الله العظيم (54البقرة) 

تمت 
سبق وان نشرت هذه الحكاية في موقع العراق الأخضر الذي تفضل مشكوراً باضافة الصورة المعبرة 

وادرج في ادناه رابط الحكاية في الموقع.

http://advertisement.iraqgreen.net/modules.php?name=News&file=article&sid=32913


يوسف الطائي 

الاثنين، 18 سبتمبر 2017

عميل...ولكن
لي صديق كثير ما اختلف معه حول ارجحية هذا العهد عن ذاك المتسم بالديكتاتورية وهل حقا كان رأس النظام عميلا .؟  كان النظام بوليسيا هاجسه الأول والأخير هو الأمن (أمن غذائي وأمن صناعي وأمن اقتصاددي وأمن داخلي وأمن صحي ووو), وكأن الأمن عماد تكوين الدولة واساسها!!!.
 لم اتمكن من الوصول الى اقناعه بالرغم من ان النقاش كان كثير ما يحتدم ولا نصل لنتيجة, احيانا كنت اتصور ان دفاعه المستميت كان لأسباب طائفية ولكن تبين لي فيما بعد ان لاعلاقة لما اتصوره حيث ان الرجل كان ذو عقل نير ولا يعير بالا لمثل هذه الخزعبلات. 
  كثير من العملاء وصلوا الى سدة الحكم ولكنهم انقلبوا لخدمة البلاد بعد ما ادركوا نهايتهم المحتومة وعلى سبيل المثال لا الحصر رئيس جمهورية بنما الأسبق (نورييغا), وكان (نورييغا) قد  وصل الى الحكم عبر انقلاب عسكري دبره الأمريكان قبل نهاية السنة واحد وهي سنة انتهاء معاهدة تربط بنما وقناتها بمعاهدة طويلة, ونورييغا هذا انتهت رئاسته بعد انقلاب دبره الامريكان ايضا واودع السجن في الولايت المتحدة لعدد من السنين ثم سلمته امريكا الى فرنسا ليحاكم بتهمة غسيل الاموال, ما نحن بصدده هو ارجحية الحكم السابق عن الحالي. 
للحقيقة اقول وكما يقول الحديث الشريف (اذكروا محاسن موتاكم، وكفوا عن مساوئهم), ان حكم صدام بالرغم من قساوته وديكتاوريته كان افضل من الحكم الحالي كونه عمر كثير من مرافق الدولة بشكل عصري وانشىء ما يعجز المتأسلمون عن انجازه لا اليوم ولا غد طالما تشغلهم امور يبعد توجهها بعيد عن توجه الاعمار والبناء لامور المنفعة الشخصية وكيف يمكن تحقيقها وليذهب الشعب الى الجحيم!!!, ماذا يريدون اكثر من اتاحة الزيارات للعتبات المقدسة في المناسبات الدينية واتاحة اللطم حتى الصباح؟,  ولكن الذي يفرحنا ويصبرنا هو عدم وجود من يدعي ان كل ما في العراق والعراقيين من خيرات ومزايا تحققت بفضل قيادته للعراق تصوروا يقول (( أنا موجود في كل قنينة حليب يشربها الطفل العراقي وفي كل (جاكيت) يستعمله العراقي للوقاية من البردا !!!)),  ثم ان كل الذين يأتون يمكن ان ينقلعوا غير مأسوف عليهم بعد اربع سنوات!!!, وهكذا عقلية وهكذا مفاهيم غادرتنا الى الأبد... خلاصة  الموضوع ... ان لم نك نحن الذين تملئهم فرحة التغييرهو من يستفيد من ايجابياته  فأبنائنا واحفادنا وأجيال قادمة هم المستفادون والله ولي التوفيق .