السبت، 5 يناير 2013

كابوس في مكب



 كابوس في مكب*

يوسف الطائي




وَلَجَ المَكَبْ وهو يحمل كيساً يمسكه من نهايته المفتوحة لتتدلى بقية الكيس على ظهره ، وقد اتسخ قميصه بشدة تحت موضع الكيس ، كان يجمع العلب الفارغة للمشروبات الغازية ، وليجعل الكيس يتسع لأكبر عدد ممكن من العلب كان يقوم بضرب العلبة بأخمص قدمه بغية تقليص حجمها ، ولتحقيق السرعة في ذلك ، تتم تلك العملية بمرحلتين ، يتم في الأولى رمي العلب الفارغة خارج المكب وفي الثانية يتم تقليص حجم تلك العلب ، التقط مرة علبة غريبة الشكل ومنتفخة بعض الشيء ، هم بفتحها واحتسائها لعله يطفئ لظى ذلك اليوم القائظ إلا انه تذكر صيامه لمدة أسبوع عوضاً عن المدة التي لم يتمكن من صيامها في رمضان المنصرم نتيجة لمرض ألم به ، رمى تلك العلبة خارج المكب فتدحرجت مبتعدة بضع خطوات عن أخواتها ، خرج من المكب وأخذ يضرب العلب واحدة تلو الأخرى بأخمص قدمه ، التقطها جميعاً ووضعها في الكيس هم بالانصراف بعد أن عدل من وضع الكيس فوق كتفه ، ابتعد قليلاً فلمح تلك العلبة المنتفخة ، رفع القدم التي طوح الانفجار بها وبالساق بعيداً، بعد أن ضرب تلك العلبة اللعينة التي ما كانت سوى لغم مغفلين ..!
نزف رعد كثيراً من الدماء قبل أن ينقل الى المستشفى القريب وهو لم يزل في غيبوبة تامة ، ورعد هذا لم يتم الخامسة عشر من العمر بعد ... كان المعيل الوحيد لعائلته فالأب مغيب في أحد المعتقلات وقيل انه قد أعدم ، وأخاه الأكبر هارب من العسكرية ومن العراق ولم يبقى من عائلته سوى أمه المريضة واثنتين من أخواته ، كان يعيلهم ببيع ما يلتقطه من أكوام القمامة من بلاستك ومواد أخرى إضافة للعلب الفارغة ، وكان قد ترك المدرسة وهو لم يزل في السادس الابتدائي بعد أن عجزت عائلته من توفير مستلزمات دراسته التي كانت تزداد اضطراداً مع السنين .
استفاق من غيبوبةٍ استهلكت منه النهار وردحا من الليل ،  شعر بخدرٍ يجتاح قدمه اليمنى وأصابعها ، هم بتحسسهم ، انتبه لجمع من الناس يجتمعون حول سريره ، تفرس في وجوههم التي لم يكن يعرف أيٍٍ منها إذ لم يكونوا غير الأطباء الذين أكملوا له عملية بتر بقية الساق من الركبة ، مد يده إلى أصابع قدمه لم يجدهما في مكانها ولا الساق ، تذكر على الفور ما حدث ، أطلق صرخة مدوية أعقبها بكاء مرير والجمع من حوله يحاول تهدئته بكلمات لم يفهم منها شيء ، هدأ بكاء رعد بعد أن أعياه التعب ، عاد للنوم بعد أن أعطوه مسكناً للآلام ، استيقظ عند الفجر وأول ما قام به هو تحسس موضع الخدر وجد إن أصابعه في مكانها وكذلك ساقه المبتورة التي رآها في الكابوس الذي عانى منه طيلة ليلة كاملة ارتدى ملابسه على عجل وهم بالخروج إلى عمله قبل أن يسبقه إلى مكب النفايات آخرون ، توقف لثوانٍ للتفكير قبل الخروج ،غاب في إحدى زوايا البيت المظلمة ، خرج مصطحباً معه عصاً طويلةً ليقلب بها الأشياء قبل التقاطها ليبدأ يوم عمل جديد...!

                                     تمت

*المكب هو المكان الذي تجمع فيه النفايات و القمامة وغالباً ما يكون صغيراً ومحصوراً بجدران
                                                                                                           

قتل على الهوية !!!


قَتْلٌ على الهَويةِ 

يوسف الطائي 

الى دعاة الحرب الطائفية ان كانت دعوتهم بقصد أم بغير قصد اقول لهم ...لا تنسوا تلك الأيام السود التي كان بها رب الأسرة ان خرج ليجلب لعائلته ارغفة خبز من المخبز القريب لم يكن متأكد أيعود لعائلته أم لن يعود واذكرهم بقول أشرف خلق الله ...
ان الفتنة نائمة لعن الله من أيقضها ...
صدق رسول الله .

دخل المقهى على عجلٍ بشفاهٍ ترتجف وعيون حائرة .. اتخذ ركناً قصياً دون أن يلقي التحيةَ على أحد ، كان يحدق في البعد الرابع دون أن يدرك حدوداً لذاك البعد ، يحدث نقسه متسائلاً و بصوت مسموع ... كيف كان المجتمع وما آلت إليه حاله...؟ كيف أصبحت الدنيا بعد ما كانت...؟ ، أمسى الأخ يقتل أخاه والجار يغدر جاره ... تلك خصال سيئة لم تكن في مجتمعنا قبل بضع سنين ، ترى ما السبب في انتشارها الآن .؟ وما هي الأصابع الخفية التي تحركها وما الهدف منها..؟



أصبح حالنا كحال بني إسرائيل وقتلهم لأنفسهم بعد تيههم في الصحراء أربعين سنة تكفيراً عن خطاياهم بعد أن اضَّلَهم السامري بعجله الذهبي ..!* 
اتخذ مقعداً منفرداً كي لا يشاركه فيه أحد ... تقدمت منه وأنا أوجس خيفة من ردات فعله الغير متوقعة ، إذ كان يثور و تجحض عيناه الغائرة بعد انتفاخ أوداجه حينما يُسْئَلُ عن أمور بعيدة عن معاناته الأبدية ... تلك المعاناة التي جعلت منه ناقداً بألذع الكلمات وأقذعها ، وهذا ما جعل الكثيرين يتحاشون الصدام به...، سألته بعد أن رميت عليه تحية يحبها . 
- ترى ما الذي يشغل بال الحكيم ..؟ 
أشار علي بالجلوس دون أن ينبس ببنت شفه. 
جلست قبالته منتظراً أن يبدأ الحديث ، كان منشغلاً بالنظر إلى ورقة بين يديه ، قرأها أكثر من مرة... طواها ...أفردها ثانية ..أعاد قراءتها تمتم بصوت مسموع ( انا لله وانا إليه راجعون )..تابع بعد برهةٍ من الصمت...(( تصور يا أخي ذهبت اليوم صباحاً إلى محافظة قريبة لقضاء بعض الأعمال وفي طريق العودة في شاحنة صغيرة جلس بجانبي شاب أنيق الملبس بذوق ظاهر، بادرني التحية والباص لم يتحرك بعد ، طلب مني أن نتبادل عناوين أقرب شخص يعرفه كل منا وذلك بغية إخباره في حال حصول مكروه في الطريق لأي منا سيما وان الطريق محفوف بمخاطر نقاط تفتيش وهمية تخطف و تقتل على الهوية !!!. 
تحرك الباص ...المباني والبيوت وكل دلائل الحياة بدأت بالاختفاء تدريجياً بعد أن تجاوزنا أطراف المدينة ...لم يعد هناك ما يغري المرء بالنضر خلال النوافذ ... الركاب جميعاً دون استثناء تخبئ ثنايا ملامحهم خوف وقلق ولولا مكابرتهم لأفصحوا عن ذلك الخوف الذي أصبح ملازماً للكل مع دوام الوقت..!!. الخوف من المجهول والخوف من المفاجئات التي يخبئها لنا الطريق بعد إن وّطَّدَ تآمره مع القدر..!. 
كانت السماء مكفهرة وقد تقاسمتها غيوم سوداء متفرقة تشوبها حمرة في أطرافها وكأنها نذير شؤم اشرأب بملامحه من خلال الأفق الدامي البعيد ..كان ذلك قبيل الغروب بدقائق ...الشارع يبدو خالياً إلا من بضع مركبات ، كان بعضها يتجاوزنا ويتبادل الركاب نضرات قلقة خائفة من البعض للبعض ..!!!.ذلك هو حال الجميع ، حتى أثناء السير في الطرقات . 
مزق السكون صوت بوق لمركبة مسرعة تروم تجاوزنا ... انتبه سائق مركبتنا لذلك البوق فأتخذ الجانب الأيمن من الطريق بغية فسح المجال لتلك المركبة..وما إن جاورتنا تلك المركبة حتى دارت جميع الرؤوس ناحيتها . 
كانت مركبة حديثة يستقلها رجال ثلاثة يعملون على تغطية وجوههم بلثام يخفي ملامحهم فيما كان رابعهم يطل علينا من سقفها المفتوح وبوجهٍ سافر ملوحاً لنا بمدفعه الرشاش ويأمرنا بالتوقف جانباً معززاً أمره ذاك برشقة طلقات من مدفعه في الهواء..!!! 
كان رجل المدفع هذا يحمل ناظوراً يتدلى من رقبته ...مرت الثواني كالدهور ..أحسست بخافقي يغوص إلى أخمص قدمي فيما كانت دقاته المتسارعة تهز أذناي وتحاول أن تخرج ما خلف طبلة الأذن إلى الهواء..!! ، توقف سائقنا بعد عناء ، إذ اختلطت عليه آراء الركاب ومقترحاتهم ، فمنهم من يقول له أن يسرع ولا يتوقف ومنهم من يشير عليه بالتوقف قبل أن يفتح علينا الملثمون نيران أسلحتهم ...توقفت مركبة الملثمين بشكل يقطع علينا الطريق إذ وضعوا مقدمة مركبتهم على حافة الشارع .. ترجل منها ثلاثة شاهرين أسلحتهم الرشاشة فيما بقي الرابع يرقب الطريق بمرقابه الليلي ، همس جاري في اذني ( لا تنس ما أوصيتك به وأوصل الورقة إلى قريبيي على العنوان المذكور فيها ).... كان شاباً مفتول العضلات يتضح من تقاسيم جسمه انه قد مارس الرياضة لفترة طويلة... فتح أحد الملثمين باب المركبة أمرنا بصوت أجش أن نبرز هوياتنا بعد أن تفحص الوجوه بدقة ..ركَّزَ نظراته عليَّ ..شعرت برعشة غريبة تسري في أوصالي ...خوف شديد يمتد الى عمق ذاكرتي ...صباي ... طفولتي التي عانيت قساوتها المشربة بخوف أبدي فيما راحت نبضات القلب تعزف لحناً تزداد إيقاعاته اضطراباً مع الوقت حتى خُيل لي إن انفجاراً وشيكاً سيحدث من فرط ارتفاع دقاته .... هممت بدس يدي في جيبي ...صاح الملثم بعد أن شهر سلاحه في وجهي: 
- لا تتحرك وإلا ملأت صدرك دخاناً .!!( يقصد من كثرة الطلقات ) وتابع القول مخاطب جاري : 
- أنت الأفندي بطاقتك بسرعة ...( لم أكن اعلم إن المقصود هو جاري وليس أنا إذ تبين فيما بعد إن الملثم كان أحولاً ) . 
قدم الشاب بطاقته الشخصية تفرس بها الملثم .. أودعها جيب سترته البيضاء التي تحول لونها إلى البني بفعل ما يعلوها من دسم وبقايا شراب ، قال مخاطباً صاحبها بنبرةٍ آمرة : 
- انزل بسرعة ....تحرك الشاب يروم النزول وقبل أن تطأ قدماه الأرض عالجه الملثم بضربة من أخمص بندقيته دفعته إلى الأمام وجعلته يجثو على ركبتيه من شدة الضربة ..!! 
نهض الشاب..متثاقلاً ..متألماً ..هزَّ رأسه مستنكراً ..نضر حواليه ...كان هناك كومة من حجارة لا تبعد عن موضع سقوطه غير بضع خطوات... على حين غرةٍ قفز الشاب بحركة رياضية ... اختبأ خلفها ...أخرج من وسطه مسدساً صوبه إلى الملثم ...أطلق عليه عيارات متلاحقة ثلاث.. أخطأته اثنتان فيما أصابته الثالثة في بطنه ... سقط الملثم على الأرض مضرجاً بدمه ...!!! سيطر الخوف على الجمع من فرط المفاجئة ..!! صوب بقية الملثمين نيران بنادقهم على الشاب الذي عالجهم بدوره ببعض الطلقات من مسدسه دون أن يصيب أحد...إنها معركة غير متكافئة غير إنها تنم عن شجاعة الشاب المتناهية ..مزق السكون صوت المدفع الرشاش لرجل الناظور فيما تأرجحت راقصةً مساند مدفعه الأمامية رقصة الفرح بموت أحدهم ... أصبح الشاب جثة هامدة ...!! ..تقدم ناحيته الملثمان بحذر شديد وبعد أن تأكدا من مقتله هرعوا صوب زميلهم المصاب كشفوا عن بطنه للتأكد من مدى إصابته...حملوه على عجل إلى مركبتهم ثم عادوا إلى القتيل ...جروه من قدميه ووضعوه بجانب مركبتنا ..رفسه أحدهم في صدره قائلاً ((سنجعل منك عبرة لمن اعتبر..!!!)) أخرجوا من صندوق مركبتهم صفيحة بنزين وقاموا برشها على جثمان القتيل...!!.. اصفَرََّتْ الدنيا في عَينَيَّ...اجتاحتني موجة من غثيان غريب ورغبة عارمة في القيء من شدة الخوف...يا الهي سيشعلون فيه النار...!!! ( قلتها في سري ) ، ما عدت أرى شيء غير علبة الكبريت التي أخرجها أحدهم من جيبه... تحسست جيبي للتأكد من الورقة التي أودعني إياها الشاب ..توقف الزمن بانتظار عود كبريت أبى أن يشتعل بالرغم من تكرار المحاولة أكثر من مرة ...كان رجل المدفع يرقب الطريق بمرقابه الليلي ذات اليمين وذات الشمال مع إن الظلام لم يغلف المكان بعد.. رمى الملثم عود الكبريت أرضاً وسحقه بقدمه تذمراً لكونه أبى الاشتعال بسبب قطرات المطر والريح ...أخرج عوداً آخر وقبل أن يحاول إشعاله صاح رجل المدفع بهلع وخوف ..كبسة كبسة كبسة ..( ذلك مصطلحا تستعمله العصابات عندما يداهمهم خطر ما ) كررها بشكل متلاحق مما حدى برفيقيه أن يهرعا ناحية مركبتهم حتى إن أحدهم نسي سلاحه قرب الجثة التي حاول إحراقها قبل قليل ..وبسرعة البرق انطلقوا بمركبتهم بعد إن تناثرت الحجارة والحصى من تحت عجلاتهم ...وما هي إلا بضع ثوانٍ وإذا بمدرعة تقف غير بعيد عنا ويكلمنا من فيها عبر مكبرة الصوت ...تقدم أحدنا ناحيتها رافعاً يديه علامة الاستسلام وشرح لهم الموقف ...ترجلوا من مدرعتهم وبعد أن استوعبوا الموقف أمرونا بالمغادرة وعدم التوقف لأي كان ، حملوا الجثمان معهم ... غادرنا موقع الحادث بدورنا وصمت مطبق يسود الجميع . حقاً إنها مأساة يعاني منها مستخدمو الطرق الخارجية ...لا بل حتى الداخلية منها ...، ما الحيلة إذا كانت الضرورة تدفع الفرد على التنقل والسفر ، إن شجاعة الشاب فيما لو تكررت لأيقن أمثال هؤلاء إن هناك من يقابل سلوكهم هذا بالرفض والمقاومة بل ربما يلحق بهم الضرر مما يحد من أعمالهم تلك. 
(( ألف مرحى لشجاعة نادرة كهذه ، وهنيئاً جنة الفردوس لنفس أبت أن تذهب دون مقابل .)) 
قال صاحبي كلماته الأخيرة بحسرةٍ واضحة وهو يفرد الورقة بين يديه ويقرأها مرةً أخيرة قبل يناولني إياها مع السؤال إن كنت أعرف العنوان أو صاحب العنوان ... أخبرته ... ( ليس بالضبط ولكن أعرف أصدقاء لي في نفس الحي ...ربما نذهب سويةً للبحث عن صاحب العنوان غداً أو بعد غد ) . 


*( قال تعالى : وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) ... صدق الله العظيم (54البقرة) 

تمت 
سبق وان نشرت هذه الحكاية في موقع العراق الأخضر الذي تفضل مشكوراً باضافة الصورة المعبرة

وادرج في ادناه رابط الحكاية في الموقع.

http://advertisement.iraqgreen.net/modules.php?name=News&file=article&sid=32913


يوسف الطائي 

الأربعاء، 2 يناير 2013



سلاح الذكاء








الذكاء سلاح ذو حدين ، يمكن استخدامه للخير و للشر كذلك ، فبعد انتشار العلم وطغيانه على كل مناحي الحياة ، أصبح التحصيل العلمي يحتل أرفع مكانةٍ في المجتمع ، وبات الدارس يقضي جل وقته في تحضير المواد العلمية والأكاديمية المطلوبة منه ليس عن طريق قراءة الكتاب فلم يعد هناك كتاب مقرر وإنما عن طريق البحث في الانترنيت ، وتجري الامتحانات في قاعات مزودة بحواسيب على عدد الطلاب وتتصل جميعها مع حاسوب الأستاذ ، حيث يمكنه مراقبة أجوبة أي منهم وفي أي وقت يشاء الأستاذ ذلك ، وتحاشياً للغش لا يمكن للطالب أن يتصل بأي من الطلبة الآخرين ولا يمكنه أن يخرج من دائرة المنظومة الحاسوبية لقاعة الامتحان ، وأثناء الامتحان يتم التأكد من قاعدة بيانات كل طالب وتشمل قاعدة البيانات: بصمة العين ،
بصمة الصوت و بصمة الأصابع ، و الملامح الشخصية ، كل ذلك يجري بلمسة زر خفيفة من قبل الأستاذ ويتم التأكد من مطابقتها حاسوبياً  .
خلال الامتحانات ينشغل معظم الطلاب بالتحضير إلا الطالب * ( AB-36 ) فهو لا يعير اهتماماً  لأي امتحان ، تراه يلعب ويمرح ويمارس الرياضة حتى قبل الامتحان بيوم واحد ، والنتيجة هي حصوله على أعلى تقدير في الفصل ...!!!.
 أثار بتلك النتائج استغراب الجميع من أساتذةٍ وطلاب ...!!!. لابد إن في الأمر سراً ومما يزيد السر غموضاً هو إنهائه الامتحان قبل الوقت المحدد بكثير ، عقدت الهيئة التدريسية اجتماعها الروتيني في نهاية الأسبوع وناقشت ضمن مواضيع البحث قضية الطالب AB-36 ، طُرحت في المناقشةِ آراء كثيرة لتفسير تلك الحالة الغريبة ، البعض يعزيها لموهبة خارقة والبعض الآخر يعزيها لذكاء مفرط ..!! إلا الأستاذ مسؤول أمن الامتحانات فقد عزاها إلى غش محتمل وعلى درجة عالية من الحرفة و الإتقان  ، ارتسمت الابتسامة على وجوه معظم الأعضاء فانبرى أحدهم قائلاً : أن كنا نشك في سلوكه فعلينا إثبات ذلك أو نتركه وشأنه ..!! فكانت هذه الكلمات بمثابةِ تحدٍ لمسؤول الأمن ...هز مسؤول الأمن رأسه وتمتم في سره سنرى ذلك...!!!
بعد أقرب امتحان وصلت الطالب   AB-36رسالة بالبريد الإلكتروني من مصدر مجهول وبعنوان غريب ( افتح واربح) ، فتح  AB الرسالة والمرفق ، وكان المرفق عبارة عن صورة لرأس شيطان تلوح من فتحاته الأفاعي اقشعر بدن AB  وحاول فك رموز الرسالة التي كتبت بالشفرة فلم يفلح في ذلك ، أغلق بريده الإلكتروني ولم يعرف إن الجاسوس قد تسرب إلى حاسوبه عند فتح مرفق الرسالة ، والجاسوس هنا عبارة عن برنامج تجسس يعمل على مراقبة الحاسوب طيلة فترة اشتغاله ويرسل الرسائل الالكترونية باستمرار وبشكلٍ أوتوماتيكي عن كل المواقع التي يدخلها AB وبدون أن يعلم بأمره شيء ..!!
على الجانب الآخر من الشبكة وفي غرفة مسؤول أمن الامتحانات تحديداً كان الحاسوب يعمل طيلة الليل والنهار ويعمل على طبع التقارير اوتوماتيكياً ويدون المواقع المستخدمة ووقت الاستخدام ومدته ، وفي الصباح يأتي مسؤول الأمن ويقرأ تلك التقارير ويؤكد على مدة استخدام المواقع التي لها صلة بمادة الامتحان ، يلاحظ بعين وببصيرة المتمرس إن أوقات دخول المواقع ذات العلاقة بالامتحان قصيرة نسبياً أي إن الوقت غير كافٍ لدارستها واستيعابها ، ولم تكن حواسيب الطلبة مبرمجة بذاكرة حفظ مواقع الانترنيت ..
فكر وأطال التفكير بعمق ترى ما السبب ..؟ هل انه أمام عبقرية فذة و ذكاء خارق كما يقال أم هناك سرٌ غامضٌ في الموضوع ..؟؟
انتبه إلى زمن تحميل المعلومات ولاحظ إنها تقع ضمن الفترة اللازمة للتحميل الخارجي ، بحث عن مكان وموقع تخزين تلك المعلومات فلم يجده .! ترى أين تم تخزين تلك المعلومات ..؟. لم يجد جواباً وتفسيراً مقنعاً لتسائله فأقنع نفسه إن AB   ربما نسى تنزيل تلك المعلومات وستكون إجابته هذه المرة ركيكة ولا يمكنه الحصول
على درجة نجاح هذه المرة ,..!!!، غير إن المفاجأة جعلته يتسمر في مكانه بعد ثلاثة أيام وهو يلاحظ إن AB  قد حصل على درجة كاملة في تلك المادة..!! مما جعله يقرر إخضاع الطالب لفترة مراقبة على الطبيعة وليس عن طريق الحاسوب ....!!!
 درس مداخل ومخارج الجناح الذي يسكنه AB ، واقتحم غير ذي مرةٍ غرفته وعبث في محتوياتها وكان في كل مرةٍ يعيد الأشياء الى مكانها كي لا يلفت النظر الى التفتيش ، في أحد المرات جلب انتباهه وجود بعض المعدات الغريبة على تخصص ودراسة الطالب ...!!!.،  مثل مجزيء للجهد ومقاييس للتيارات الصغيرة وأساور نحاسية تشبه الى حدٍ ما الأصفاد المستخدمة من قبل الشرطة لتكبيل أيدي المجرمين مع اختلاف بسيط هو إنها موصولة بأسلاك كهربائية تنتهي بقابس توصيل بالإضافة الى طوق للرأس كالذي يستخدم في الرجات الكهربائية لمرضى الجهاز العصبي ، تمعن بدقة في تلك الأغراض وسجل في دفتر ملاحظاته قيمة التيار والجهد التي تعمل عندها المقاييس ، نظر الى ساعته ، أعاد كل شيء وبعناية الى مكانه ، خرج على عجل من الغرفة إذ قارب الوقت على وصول الطلبة الى مهاجعهم ، ما كاد ينهي الممر الطويل حتى فوجئ بالطالب وجهاً لوجه..! تبادلا نظرات حائرة التفسير من قبل الطالب غير انه تظاهر بعدم المبالاة  مواصلاً سيره ، ألقى الطالب بجسده المتعب على السرير وفكرةٌ يسيطر عليها الخوف لا تبرح ذهنه القلق ..!!! ترى ما الذي يفعله مسؤول الأمن في مهجع الطلاب ..؟؟ وهل كان في غرفته أم في مكان آخر ..؟؟ وهل عرف بما يخبئه من أغراض ..؟؟ شغلته تلك التساؤلات التي لم يتوصل الى جوابٍ شافٍ لأي منها ..!!!      
 دخل مسؤول الأمن غرفته مسرعاً وقفل الباب خلفه وعاد إلى دراسة تقارير الجاسوس وتمعن جيداً في وقت تنزيل المعلومات انتبه إلى معلومة صغيرة وهي إن التخزين قد تم خارج الحاسوب وفي قرص تخزين لم يسمع به من قبل ..!!!، كيف ذاك وهو العارف بكل محتويات الحاسوب ومبرمج من الطراز الأول ...
عكف على دراسة كل الاحتمالات ورسم خطوطها البيانية ونسبة واقعيتها فكانت كل الدلائل تشير إلى وجود عملية غشٍ مؤكدة ، انتابته قشعريرة من قمة رأسه حتى أخمص قدميه وهو يلاحظ نتائج بحثه ... كيف يمكن معرفة مفردات عملية الغش هذه...؟؟ وكيف يمكن أن يقبض على الغشاش متلبساً ..؟؟؟؟ انه التحدي الكبير وعليه أن يكون قدر هذا التحدي وأن يثبت للآخرين بأنه قدر المسؤولية المناطة به ..، سيسهل عليه الأمر حتماً لو انه استعان بأحد زملاء الطالب المعني ولكن تلك ليست من طبائعه فقد اعتاد أن ينهي هكذا أمور وحده ولا يرغب بتشجيع الآخرين على التلصص والبوح بأسرار زملائهم ..!! فما يقوم به هو أمنٌ لصالح الطلبة وليس ضدهم ..
كثف مسؤول  الأمن مراقبته للطالب AB وكان الطالب قد شعر بتلك المراقبة مما جعله متوتراً على الدوام ، وذات يوم وفي مدخل مختبر شعاع الليزر حيث كان على الطالب أن يؤدي امتحانه بتلك المادة ذلك اليوم وقف مسؤول الأمن يرقب دخول
الطلبة ، مرَّ  أمامهAB  دون اكتراث إلا انه كان متوتراً بعض الشيء وفي أعماقه يشعر بقلق وخوف ، انتظره المسؤول حتى تجاوزه داخلاً إلى المختبر فنادى عليه باسمه بقصد استفزازه  ولما كان صاحبنا متوتراً فقد استدار نصف دورة وبصورة مفاجئة مما جعل رأسه يرتطم برأس زميل له كان يسير خلفه وكان الارتطام قوياً بحيث أفقده توازنه وكاد أن يسقط أرضاً لولا اتكاءه على البعض ، وبعد أن استعاد توازنه قال للمسؤول:
- نعم أستاذ
- لا شيء .. قال المسؤول ... أريد أن أسألك عن مادة امتحان الغد .
أدرك AB   بحدسه إن الموضوع ليس كما قال المسؤول بل انه يتعلق بالدرجات التي يحرزها في الامتحانات فقد لاحظ إن الطلاب يكثرون من الغمز واللمز حول هذا الموضوع  مما جعله يشعر بالقلق ، حاول أن يسترد رباطة جأشه فهو مقبل على امتحان مهم ، عبثاُ حاول أن يطرد تلك الخواطر من فكره ، حاول جاهداً أثناء الامتحان أن يتماسك وأن يجيب على الأسئلة فلم يقدر ، أخذ جسمه يتصبب عرقاً وترتعش أنامله فوق أزرار الحاسوب وبدلاً من النقر على زر معين أخذت أصابعه بالنقر على زرين متجاورين لفرط ارتعاشها ، تأخر في الخروج على غير عادته فقد أطارت تلك الصدمة وذاك الارتطام كل ما خزنه من معلومات في دماغه ... حيث كان يستخدم بعض الحقائق العلمية البسيطة في تخزين المعلومات استمدها من درس الفيزياء ومن المغناطيسية تحديداً وهي ( إن كل المواد المعدنية من الممكن أن تصبح مغانيط إذا رتبت جزيئاتها ألمبعثره ، وتفقد تلك المواد مغناطيسيتها عند تعرضها للطرق أو التسخين  )  فقد توصل AB  الى طريقة تخزين المعلومات من الحاسوب إلى الدماغ البشري مباشرةً عبر استخدام تيارات كهربائية ضعيفة تقترب من حيث الشدة والنوع من تيار الدماغ وجهازه العصبي ....!!!!. لم لا والكل يعرف إن العقل البشري يستخدم في ايعازاته المتنوعة وفي تخزين الذكريات والصور واستعراضها تيارات كهربائية ضعيفة لذلك يعمد الأطباء إلى تعريض الإنسان إلى صدمات كهربائية لعلاج بعض الأمراض النفسية المتقدمة وخصوصاً فيما يتعلق بارتباك الذاكرة وتصوراتها الوهمية ....!!!
 إنها عبقرية فذة تلك التي يتمتع بها AB ولكن مما يؤسف له إن استخدامها كان سيئاً ..وكانت هذه هي عين النتائج التي توصل إليها المسؤول مما حدا به أن يعرض AB إلى ما يشبه التسخين من خلال استفزازه  وكان ارتطام الرأس عاملاً مساعداً في تأكيد بعثرة المعلومات التي خزنها AB فكانت النتيجة بعد الامتحان هي انكشاف أمره ومعرفة أسراره التي طالما حيرت الهيئة التدريسية والطلاب على السواء ، وكانت تلك الحادثة خاتمة استخدام الذكاء استخداماً شريراً ومنعت الكثير من تبوأ المقاعد الدراسية والوظائف المهمة إلا لمستحقيها ، وقد حقق الأمن بذلك هدفاً سامياً وهو كونه أمناً للصالح العام وليس أمناً لتحقيق مصالح فردية ...!!!   

* اسم الشخص يشتق من رقم أنبوبة الاختبار ورقم الوجبة التي تم استنساخه فيها ..!!

            
                                       تمت
                                                      

                                                                         يوسف الطائي
                                                                      بغداد/ شباط 2006






الثلاثاء، 1 يناير 2013

أزمة حب الجزء الأول



أزمة حب  ...(1)   






تعولمت الأرض بقاراتها المأهولة الست ، وأصبح الحدث صورة وصوت لا يستغرق غير بضع ثوانٍ للانتقال من قارةٍ إلى أخرى .!!! ترى ماذا بعد... ؟ وما الذي سيقدمه لنا العلم من منجزات ومن إبداع العقل البشري الذي لم يتم استغلال غير عشر أعشاره .؟؟.
لاشك إن الخيال الواسع والخيال العلمي تحديداً سيسهم بفاعلية في إنجاز الكثير من المخترعات التي تبدو حين استعراضها الآن ضرباً من الخيال ليس إلا..
سيستغني البشر عن الكلام بعد أن يكونوا قد قطعوا شئواً في تنمية قابلية توارد الخواطر والإيحاء عن بعد ( الباراسايكولوجي ) ، ولا نستغرب من حضور اجتماع في قاعةٍ واسعةٍ تضم آلاف الحاضرين غير مجهزةٍ بمعدات تكبيرٍ للصوت ، إذ يكتفي المحاضر أن بضع طوقاً صغيراً على رأسه يبرز منه هوائي لا يتجاوز الإبهام طولاً يتم من خلاله بث المحاضرات أو ربما الأفكار والخواطر أيضاً ، وسيتلقاها الحاضرون عبر أطواقهم المماثلة لطوق المحاضر، ويمكن التحكم بشدة الصوت ونعومته عبر لمسة خفيفة لأذن الراغب بذلك !!! .
أما على صعيد الطاقة ، فهناك طاقة تبث بالموجات الكهرو مغناطيسية وهنالك طاقة على شكل كبسولات وحبيبات صغيرة شبيهة إلى حد ما حبوب الدواء وكبسولاته في وقتنا الحاضر ، وهذا النوع من الطاقة يستخدم في وسائط النقل البرية والبحرية والجوية بدل الوقود السائل والصلب ، أما الطاقة الكهربائية فلم تعد الأسلاك والأعمدة ضرورية لنقلها ، إذ ستنقل عبر الموجات الكهرومغناطيسية من محطة التوليد الصامتة ومن خلال الهوائي العملاق الذي يبثها كموجات الراديو إلى جميع الاتجاهات حيث تستلمها البيوت والمباني خلال هوائي يتناسب حجمه ومقدار الطاقة الكهربائية الضرورية للاحتياج ، وستختفي داخل المنازل أجهزة التحكم عن بعد ( الرموت كنترول ) وسيستعاض عنها بإيماءة إصبع وبعض التركيز ، وستشهد المختبرات البايولوجية تطوراً واسعاً من خلال ما توصل إليه علم الهندسة الو راثية في اختيار نوع وشكل ومواصفات الأجنة التي سيتم تكاثرها بالاستنساخ طبعاً وستختفي أو تضمحل المشاعر ويصبح الحب بلا معنى ولم يعد القلب يخفق ويزداد اضطراباً عند رؤية المحبوب  إذ لم يعد القلب غير مضخة للدم ليس إلا !!!.
وسيختفي الأثاث ... كل الأثاث من الوزارات والدوائر الحكومية..!! فلا دواليب ولا حافظات أوراق ولا أضابير ولا قسم أرشيف !!!، فقط حاسبة وكرسي دوار لكل موظف ينجز من خلالهما الأعمال المنوطة به ... ففي دائرة النفوس مثلاً يكون هناك موظفاً واحداً لكل حرفٍ من الحروف الأبجدية للذكور وآخر للإناث ، أما الأسماء المشتركة التي تصلح للجنسين فقد افرد لها قسماً خاصاً يشترك في إدارته شاب في منتصف العقد الثالث من العمر مع شابة تصغره ببضع سنين .
كان سعد ونسرين ... وتلك هي أسمائهم تربطهم زمالة عمل تمتد لأكثر من خمس سنوات ، كانت نسرين مولعة بقراءة قصص الحب الرومانسية ذات الورق الأسمر والعتيق التي تستعيرها من مكتبة جدتها لأمها ، وكانت تجد متعة متناهية في القراءة وتتفاعل مع أحداث القصة وتتأثر أيما تأثراً بتفاصيلها ، وتأتي في اليوم التالي وتحاول إيصال فصول ما قرأت إلى سعد عبر هوائي الحديث المثبت في طوق الرأس ، وكان سعد يجلس صامتاً يتظاهر بالاستماع ويكتفي بهز رأسه بين هنيهةٍ وأخرى ، وأثناء عملهم على الحاسوب الذي يشتركان به يحدث أن تتلامس أيديهما دون قصدٍ فتشعر نسرين وكأن تيار كهربي يسري في أوصالها فتنتشي من لمسةٍ غير مقصودة ، بينما سعد لا يبالي وكأن شيئاً لم يكن ..!!! ، تحاول نسرين عبثاً أن تجلب انتباهه عبر حركاتها وايمائاتها الأنثوية ولكن سعد شأنه شأن شباب عصره باردٌ لا يتجاوب ولا يتأثر بمحاولاتها تلك !!!. ، ينتاب نسرين قنوط وحزن شديدين ، تستشير جدتها شاكية من سلوك سعد ولا مبالاته ، تطمئنها الجدة وتخبرها إنها أيضاً ( أي نسرين ) مُقَّدَرٌ لها أن تكون حالتها مشابهة لحالة سعد لولا تداركها وتقوية مشاعرها العاطفية بقراءة الكتب والقصص  ، وتنصحها بتنمية مشاعر وأحاسيس سعد ربما يصل إلى المستوى العاطفي المطلوب ..!!!.
إذن يعيش هذا المجتمع أزمات من نوع خاص لا تشبه أزماتنا الحالية في شيء ، إنها أزمة عواطف وأزمة مشاعر  وأزمة حب ، الحب الذي لم يعد ضرورياً لاستمرار الحياة وتكاثر النوع ، فقد أصبح التكاثر يخضع لمفاهيم جديدة ووفق قياسات عامة تضعها سلطة عليا ، أما القياسات الخاصة فتوضع من قبل الزوجين ولم تكن تتعدى في أحسن الأحوال عن لون العينين ولون البشرة والشعر ..!! ، ولم يعد الزواج غير مشاركة في دفع الضرائب و العيش تحت سقف واحد ليس إلا !!!!.
تناضل نسرين من أجل رفع المستوى العاطفي لسعد ، فتتحين لذلك الفرص وتصطحب معها بعض الروايات العاطفية التي اختارتها لها جدتها ، يمسك سعد الرواية بين يديه ويقلبها دون اكتراث ، تقترح نسرين أن يقرآنها سويةً بعد انتهاء مناوبتهما ، يذهبان معاً إلى شقة نسرين ، الشقة تقع في الطابق العاشر ، يجلس سعد باسترخاء في مقعدٍ وثير بعد أن استحم بحمام الإشعاع والذبذبات ، حيث يستعاض عن الماء آنذاك في الحمام بأشعة فوق البنفسجية مخففة جداً وبذبذبات فوق الصوتية تبعث النشاط والحيوية في أجزاء الجسم دون أن تؤذيه...!!!.
يتطلع سعد بفضولٍ إلى الأثاث والى نباتات الظل المزروعة داخل الشقة والى حوض أسماك الزينة ، يسرح بعيداً بينما تكون نسرين منشغلةً في أعداد وجبة خفيفة ، يقطع الصمت هدير طائرةً عمودية تقترب من سطح البناية حيث مهبطها ... تأتي نسرين حاملةً ساندويتشات شرائح اللحم المصنع وعلبتين من مشروب غازي ، تسحب أحد المقاعد وتجعله ملاصقاً تماما لمقعد سعد الوثير وتمسك الكتاب وتبدأ بتقليب أوراقه السمر العتيقة وتختار عمداً من بين الفصول فصلاً فيه الكثير من الدفء العاطفي والحميمية الواضحة وتبدأ في الإرسال عبر طوق الكلام  ، يتماوج  ارسالها للصوت ويصبح أكثر دفئاً ، وتحمر وجنتاها حين ترسل بعض الجمل المثيرة ... يكاد قلبها بخفقانه المسموع أن يقفز من مكمنه خلف الصدر العارم و الممتلئ شوقٌ ورغبة ... تختلس النظرات الى سعدٍ لتلمح وقع الكلمات في نفسه ، وسعد هو سعد لا يبالي ولا يكترث ، لقد أعياها الصبر حتى كاد ينفذ ، ترمي الكتاب جانباً بهستيريةٍ واضحة وترتمي في أحضان سعد وتطبق على شفتيه بقبلةٍ محمومةٍ يملؤها شوقٌ وغريزة ورغبة أفقدتها الوعي للحظات ، وسعد يحاول جاهداً أن يبعدها عن جسده متسائلاً عن معنى هذه الحركات وتلك الفعال ..!!! ، و نسرين لم تفهم من كلامه حرفاً واحداً إذ سقط الطوق من رأسها نتيجة الانفعال ...سعد ينتفض واقفاً و يهم بالانصراف على عجلٍ وهو لم يكمل طعامه بعد ..!!
اُسقط في يدها ، لم تعد راغبةً في شيء ، سيطر الوجوم على المشهد برمته ، تبعته راكضةً تحاول إقناعه بالعودة وتعتذر منه ، لم يفهم من كلامها شيء ، وضعت يدها على رأسها لتعبر عن أسفها ومقدار اعتذارها .. أدركت حينئذٍ إن طوق الكلام غير موجود في مكانه ، أقفلت راجعة إلى الشقة يملؤها اليأس ويعتريها الحزن ...!!! إنها في أزمة خانقة ، تلك هي أزمة الحب .!

للحكاية بقية

                                  

                                                                                   يوسف الطائي
                                                                                بغداد/ شباط 2006