الأربعاء، 2 يناير 2013



سلاح الذكاء








الذكاء سلاح ذو حدين ، يمكن استخدامه للخير و للشر كذلك ، فبعد انتشار العلم وطغيانه على كل مناحي الحياة ، أصبح التحصيل العلمي يحتل أرفع مكانةٍ في المجتمع ، وبات الدارس يقضي جل وقته في تحضير المواد العلمية والأكاديمية المطلوبة منه ليس عن طريق قراءة الكتاب فلم يعد هناك كتاب مقرر وإنما عن طريق البحث في الانترنيت ، وتجري الامتحانات في قاعات مزودة بحواسيب على عدد الطلاب وتتصل جميعها مع حاسوب الأستاذ ، حيث يمكنه مراقبة أجوبة أي منهم وفي أي وقت يشاء الأستاذ ذلك ، وتحاشياً للغش لا يمكن للطالب أن يتصل بأي من الطلبة الآخرين ولا يمكنه أن يخرج من دائرة المنظومة الحاسوبية لقاعة الامتحان ، وأثناء الامتحان يتم التأكد من قاعدة بيانات كل طالب وتشمل قاعدة البيانات: بصمة العين ،
بصمة الصوت و بصمة الأصابع ، و الملامح الشخصية ، كل ذلك يجري بلمسة زر خفيفة من قبل الأستاذ ويتم التأكد من مطابقتها حاسوبياً  .
خلال الامتحانات ينشغل معظم الطلاب بالتحضير إلا الطالب * ( AB-36 ) فهو لا يعير اهتماماً  لأي امتحان ، تراه يلعب ويمرح ويمارس الرياضة حتى قبل الامتحان بيوم واحد ، والنتيجة هي حصوله على أعلى تقدير في الفصل ...!!!.
 أثار بتلك النتائج استغراب الجميع من أساتذةٍ وطلاب ...!!!. لابد إن في الأمر سراً ومما يزيد السر غموضاً هو إنهائه الامتحان قبل الوقت المحدد بكثير ، عقدت الهيئة التدريسية اجتماعها الروتيني في نهاية الأسبوع وناقشت ضمن مواضيع البحث قضية الطالب AB-36 ، طُرحت في المناقشةِ آراء كثيرة لتفسير تلك الحالة الغريبة ، البعض يعزيها لموهبة خارقة والبعض الآخر يعزيها لذكاء مفرط ..!! إلا الأستاذ مسؤول أمن الامتحانات فقد عزاها إلى غش محتمل وعلى درجة عالية من الحرفة و الإتقان  ، ارتسمت الابتسامة على وجوه معظم الأعضاء فانبرى أحدهم قائلاً : أن كنا نشك في سلوكه فعلينا إثبات ذلك أو نتركه وشأنه ..!! فكانت هذه الكلمات بمثابةِ تحدٍ لمسؤول الأمن ...هز مسؤول الأمن رأسه وتمتم في سره سنرى ذلك...!!!
بعد أقرب امتحان وصلت الطالب   AB-36رسالة بالبريد الإلكتروني من مصدر مجهول وبعنوان غريب ( افتح واربح) ، فتح  AB الرسالة والمرفق ، وكان المرفق عبارة عن صورة لرأس شيطان تلوح من فتحاته الأفاعي اقشعر بدن AB  وحاول فك رموز الرسالة التي كتبت بالشفرة فلم يفلح في ذلك ، أغلق بريده الإلكتروني ولم يعرف إن الجاسوس قد تسرب إلى حاسوبه عند فتح مرفق الرسالة ، والجاسوس هنا عبارة عن برنامج تجسس يعمل على مراقبة الحاسوب طيلة فترة اشتغاله ويرسل الرسائل الالكترونية باستمرار وبشكلٍ أوتوماتيكي عن كل المواقع التي يدخلها AB وبدون أن يعلم بأمره شيء ..!!
على الجانب الآخر من الشبكة وفي غرفة مسؤول أمن الامتحانات تحديداً كان الحاسوب يعمل طيلة الليل والنهار ويعمل على طبع التقارير اوتوماتيكياً ويدون المواقع المستخدمة ووقت الاستخدام ومدته ، وفي الصباح يأتي مسؤول الأمن ويقرأ تلك التقارير ويؤكد على مدة استخدام المواقع التي لها صلة بمادة الامتحان ، يلاحظ بعين وببصيرة المتمرس إن أوقات دخول المواقع ذات العلاقة بالامتحان قصيرة نسبياً أي إن الوقت غير كافٍ لدارستها واستيعابها ، ولم تكن حواسيب الطلبة مبرمجة بذاكرة حفظ مواقع الانترنيت ..
فكر وأطال التفكير بعمق ترى ما السبب ..؟ هل انه أمام عبقرية فذة و ذكاء خارق كما يقال أم هناك سرٌ غامضٌ في الموضوع ..؟؟
انتبه إلى زمن تحميل المعلومات ولاحظ إنها تقع ضمن الفترة اللازمة للتحميل الخارجي ، بحث عن مكان وموقع تخزين تلك المعلومات فلم يجده .! ترى أين تم تخزين تلك المعلومات ..؟. لم يجد جواباً وتفسيراً مقنعاً لتسائله فأقنع نفسه إن AB   ربما نسى تنزيل تلك المعلومات وستكون إجابته هذه المرة ركيكة ولا يمكنه الحصول
على درجة نجاح هذه المرة ,..!!!، غير إن المفاجأة جعلته يتسمر في مكانه بعد ثلاثة أيام وهو يلاحظ إن AB  قد حصل على درجة كاملة في تلك المادة..!! مما جعله يقرر إخضاع الطالب لفترة مراقبة على الطبيعة وليس عن طريق الحاسوب ....!!!
 درس مداخل ومخارج الجناح الذي يسكنه AB ، واقتحم غير ذي مرةٍ غرفته وعبث في محتوياتها وكان في كل مرةٍ يعيد الأشياء الى مكانها كي لا يلفت النظر الى التفتيش ، في أحد المرات جلب انتباهه وجود بعض المعدات الغريبة على تخصص ودراسة الطالب ...!!!.،  مثل مجزيء للجهد ومقاييس للتيارات الصغيرة وأساور نحاسية تشبه الى حدٍ ما الأصفاد المستخدمة من قبل الشرطة لتكبيل أيدي المجرمين مع اختلاف بسيط هو إنها موصولة بأسلاك كهربائية تنتهي بقابس توصيل بالإضافة الى طوق للرأس كالذي يستخدم في الرجات الكهربائية لمرضى الجهاز العصبي ، تمعن بدقة في تلك الأغراض وسجل في دفتر ملاحظاته قيمة التيار والجهد التي تعمل عندها المقاييس ، نظر الى ساعته ، أعاد كل شيء وبعناية الى مكانه ، خرج على عجل من الغرفة إذ قارب الوقت على وصول الطلبة الى مهاجعهم ، ما كاد ينهي الممر الطويل حتى فوجئ بالطالب وجهاً لوجه..! تبادلا نظرات حائرة التفسير من قبل الطالب غير انه تظاهر بعدم المبالاة  مواصلاً سيره ، ألقى الطالب بجسده المتعب على السرير وفكرةٌ يسيطر عليها الخوف لا تبرح ذهنه القلق ..!!! ترى ما الذي يفعله مسؤول الأمن في مهجع الطلاب ..؟؟ وهل كان في غرفته أم في مكان آخر ..؟؟ وهل عرف بما يخبئه من أغراض ..؟؟ شغلته تلك التساؤلات التي لم يتوصل الى جوابٍ شافٍ لأي منها ..!!!      
 دخل مسؤول الأمن غرفته مسرعاً وقفل الباب خلفه وعاد إلى دراسة تقارير الجاسوس وتمعن جيداً في وقت تنزيل المعلومات انتبه إلى معلومة صغيرة وهي إن التخزين قد تم خارج الحاسوب وفي قرص تخزين لم يسمع به من قبل ..!!!، كيف ذاك وهو العارف بكل محتويات الحاسوب ومبرمج من الطراز الأول ...
عكف على دراسة كل الاحتمالات ورسم خطوطها البيانية ونسبة واقعيتها فكانت كل الدلائل تشير إلى وجود عملية غشٍ مؤكدة ، انتابته قشعريرة من قمة رأسه حتى أخمص قدميه وهو يلاحظ نتائج بحثه ... كيف يمكن معرفة مفردات عملية الغش هذه...؟؟ وكيف يمكن أن يقبض على الغشاش متلبساً ..؟؟؟؟ انه التحدي الكبير وعليه أن يكون قدر هذا التحدي وأن يثبت للآخرين بأنه قدر المسؤولية المناطة به ..، سيسهل عليه الأمر حتماً لو انه استعان بأحد زملاء الطالب المعني ولكن تلك ليست من طبائعه فقد اعتاد أن ينهي هكذا أمور وحده ولا يرغب بتشجيع الآخرين على التلصص والبوح بأسرار زملائهم ..!! فما يقوم به هو أمنٌ لصالح الطلبة وليس ضدهم ..
كثف مسؤول  الأمن مراقبته للطالب AB وكان الطالب قد شعر بتلك المراقبة مما جعله متوتراً على الدوام ، وذات يوم وفي مدخل مختبر شعاع الليزر حيث كان على الطالب أن يؤدي امتحانه بتلك المادة ذلك اليوم وقف مسؤول الأمن يرقب دخول
الطلبة ، مرَّ  أمامهAB  دون اكتراث إلا انه كان متوتراً بعض الشيء وفي أعماقه يشعر بقلق وخوف ، انتظره المسؤول حتى تجاوزه داخلاً إلى المختبر فنادى عليه باسمه بقصد استفزازه  ولما كان صاحبنا متوتراً فقد استدار نصف دورة وبصورة مفاجئة مما جعل رأسه يرتطم برأس زميل له كان يسير خلفه وكان الارتطام قوياً بحيث أفقده توازنه وكاد أن يسقط أرضاً لولا اتكاءه على البعض ، وبعد أن استعاد توازنه قال للمسؤول:
- نعم أستاذ
- لا شيء .. قال المسؤول ... أريد أن أسألك عن مادة امتحان الغد .
أدرك AB   بحدسه إن الموضوع ليس كما قال المسؤول بل انه يتعلق بالدرجات التي يحرزها في الامتحانات فقد لاحظ إن الطلاب يكثرون من الغمز واللمز حول هذا الموضوع  مما جعله يشعر بالقلق ، حاول أن يسترد رباطة جأشه فهو مقبل على امتحان مهم ، عبثاُ حاول أن يطرد تلك الخواطر من فكره ، حاول جاهداً أثناء الامتحان أن يتماسك وأن يجيب على الأسئلة فلم يقدر ، أخذ جسمه يتصبب عرقاً وترتعش أنامله فوق أزرار الحاسوب وبدلاً من النقر على زر معين أخذت أصابعه بالنقر على زرين متجاورين لفرط ارتعاشها ، تأخر في الخروج على غير عادته فقد أطارت تلك الصدمة وذاك الارتطام كل ما خزنه من معلومات في دماغه ... حيث كان يستخدم بعض الحقائق العلمية البسيطة في تخزين المعلومات استمدها من درس الفيزياء ومن المغناطيسية تحديداً وهي ( إن كل المواد المعدنية من الممكن أن تصبح مغانيط إذا رتبت جزيئاتها ألمبعثره ، وتفقد تلك المواد مغناطيسيتها عند تعرضها للطرق أو التسخين  )  فقد توصل AB  الى طريقة تخزين المعلومات من الحاسوب إلى الدماغ البشري مباشرةً عبر استخدام تيارات كهربائية ضعيفة تقترب من حيث الشدة والنوع من تيار الدماغ وجهازه العصبي ....!!!!. لم لا والكل يعرف إن العقل البشري يستخدم في ايعازاته المتنوعة وفي تخزين الذكريات والصور واستعراضها تيارات كهربائية ضعيفة لذلك يعمد الأطباء إلى تعريض الإنسان إلى صدمات كهربائية لعلاج بعض الأمراض النفسية المتقدمة وخصوصاً فيما يتعلق بارتباك الذاكرة وتصوراتها الوهمية ....!!!
 إنها عبقرية فذة تلك التي يتمتع بها AB ولكن مما يؤسف له إن استخدامها كان سيئاً ..وكانت هذه هي عين النتائج التي توصل إليها المسؤول مما حدا به أن يعرض AB إلى ما يشبه التسخين من خلال استفزازه  وكان ارتطام الرأس عاملاً مساعداً في تأكيد بعثرة المعلومات التي خزنها AB فكانت النتيجة بعد الامتحان هي انكشاف أمره ومعرفة أسراره التي طالما حيرت الهيئة التدريسية والطلاب على السواء ، وكانت تلك الحادثة خاتمة استخدام الذكاء استخداماً شريراً ومنعت الكثير من تبوأ المقاعد الدراسية والوظائف المهمة إلا لمستحقيها ، وقد حقق الأمن بذلك هدفاً سامياً وهو كونه أمناً للصالح العام وليس أمناً لتحقيق مصالح فردية ...!!!   

* اسم الشخص يشتق من رقم أنبوبة الاختبار ورقم الوجبة التي تم استنساخه فيها ..!!

            
                                       تمت
                                                      

                                                                         يوسف الطائي
                                                                      بغداد/ شباط 2006






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق