السبت، 5 يناير 2013

كابوس في مكب



 كابوس في مكب*

يوسف الطائي




وَلَجَ المَكَبْ وهو يحمل كيساً يمسكه من نهايته المفتوحة لتتدلى بقية الكيس على ظهره ، وقد اتسخ قميصه بشدة تحت موضع الكيس ، كان يجمع العلب الفارغة للمشروبات الغازية ، وليجعل الكيس يتسع لأكبر عدد ممكن من العلب كان يقوم بضرب العلبة بأخمص قدمه بغية تقليص حجمها ، ولتحقيق السرعة في ذلك ، تتم تلك العملية بمرحلتين ، يتم في الأولى رمي العلب الفارغة خارج المكب وفي الثانية يتم تقليص حجم تلك العلب ، التقط مرة علبة غريبة الشكل ومنتفخة بعض الشيء ، هم بفتحها واحتسائها لعله يطفئ لظى ذلك اليوم القائظ إلا انه تذكر صيامه لمدة أسبوع عوضاً عن المدة التي لم يتمكن من صيامها في رمضان المنصرم نتيجة لمرض ألم به ، رمى تلك العلبة خارج المكب فتدحرجت مبتعدة بضع خطوات عن أخواتها ، خرج من المكب وأخذ يضرب العلب واحدة تلو الأخرى بأخمص قدمه ، التقطها جميعاً ووضعها في الكيس هم بالانصراف بعد أن عدل من وضع الكيس فوق كتفه ، ابتعد قليلاً فلمح تلك العلبة المنتفخة ، رفع القدم التي طوح الانفجار بها وبالساق بعيداً، بعد أن ضرب تلك العلبة اللعينة التي ما كانت سوى لغم مغفلين ..!
نزف رعد كثيراً من الدماء قبل أن ينقل الى المستشفى القريب وهو لم يزل في غيبوبة تامة ، ورعد هذا لم يتم الخامسة عشر من العمر بعد ... كان المعيل الوحيد لعائلته فالأب مغيب في أحد المعتقلات وقيل انه قد أعدم ، وأخاه الأكبر هارب من العسكرية ومن العراق ولم يبقى من عائلته سوى أمه المريضة واثنتين من أخواته ، كان يعيلهم ببيع ما يلتقطه من أكوام القمامة من بلاستك ومواد أخرى إضافة للعلب الفارغة ، وكان قد ترك المدرسة وهو لم يزل في السادس الابتدائي بعد أن عجزت عائلته من توفير مستلزمات دراسته التي كانت تزداد اضطراداً مع السنين .
استفاق من غيبوبةٍ استهلكت منه النهار وردحا من الليل ،  شعر بخدرٍ يجتاح قدمه اليمنى وأصابعها ، هم بتحسسهم ، انتبه لجمع من الناس يجتمعون حول سريره ، تفرس في وجوههم التي لم يكن يعرف أيٍٍ منها إذ لم يكونوا غير الأطباء الذين أكملوا له عملية بتر بقية الساق من الركبة ، مد يده إلى أصابع قدمه لم يجدهما في مكانها ولا الساق ، تذكر على الفور ما حدث ، أطلق صرخة مدوية أعقبها بكاء مرير والجمع من حوله يحاول تهدئته بكلمات لم يفهم منها شيء ، هدأ بكاء رعد بعد أن أعياه التعب ، عاد للنوم بعد أن أعطوه مسكناً للآلام ، استيقظ عند الفجر وأول ما قام به هو تحسس موضع الخدر وجد إن أصابعه في مكانها وكذلك ساقه المبتورة التي رآها في الكابوس الذي عانى منه طيلة ليلة كاملة ارتدى ملابسه على عجل وهم بالخروج إلى عمله قبل أن يسبقه إلى مكب النفايات آخرون ، توقف لثوانٍ للتفكير قبل الخروج ،غاب في إحدى زوايا البيت المظلمة ، خرج مصطحباً معه عصاً طويلةً ليقلب بها الأشياء قبل التقاطها ليبدأ يوم عمل جديد...!

                                     تمت

*المكب هو المكان الذي تجمع فيه النفايات و القمامة وغالباً ما يكون صغيراً ومحصوراً بجدران
                                                                                                           

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق